الصحفي، الضمير الحي للمجتمع

محمد علي سورة - ماجستير في العلوم السياسية

في خضم ضجيج عالمنا اليوم، لا بدّ من صوتٍ يُميّز بين الخطأ والصواب، وبين الحقيقة والكذب؛ وهذا الصوت هو صوت الصحفي. فالصحفي ليس حاملاً للأحداث فحسب، بل هو أيضاً الضمير الحي للمجتمع، وصوت من لا صوت له وحارس للعدالة والشفافية.

 في عالمنا المعاصر، لم تعد الصحافة مجرد مهنة، بل هي رسالة مقدسة وإنسانية، مرتبطة بروح البحث عن الحقيقة والعدالة والالتزام تجاه الشعب. فالصحفي لا يتخطى حدود الخبر فحسب، بل يسبر أغواره ويحللها، وينقل صوت الشعب إلى السلطات، وصوت المظلومين إلى العالم. تتمثل رسالة الصحافة في إعداد ونقل الأخبار والمعلومات الصحیحة والدقيقة إلى الجمهور، على أساس من الصدق والأخلاق المهنية والالتزام بالحقيقة. فالصحفيون، بصفتهم حراسًا للمجتمع، يجمعون الحقائق ويحللونها ويقدمونها، ويرسّخون أسس الوعي والشفافية والمساءلة في المجتمع، ويمثلون لسان حال الشعب أمام المدراء والمسؤولين. 

في عصرٍ تُدفن فيه الحقيقة تحت أنقاض السرديات المخصصة والعناوين المُصمّمة والأذواق السياسية، لم يعد "الصحافة" مجرد وظيفة بسیطة، بل خيار محفوف بالمخاطر. يوم الصحفي ليس مجرد مناسبة احتفالية؛ بل هو أيضًا فرصة لمراجعة وضع الإعلام، ومسؤولية الصحفيين، والتحديات المتزايدة للبحث عن الحقيقة في مجتمعٍ غالبًا ما يُفضّل غضّ الطرف عن الواقع حتی لا يضطر إلى دفع ثمنه.

وفي التعريف التقليدي، الصحفي هو عيون المجتمع وآذانه، وصوت الشعب في مواجهة السلطة. تتمثل مهمة الصحفي في نقل الأحداث بدقة وشفافية وحيادية، یعكس هموم المجتمع، ینتقد هياكل السلطة المعيبة. ومع ذلك، في عصر وسائل الإعلام الجماهيرية والرقابة والمصالح السياسية وهيمنة رأس المال على وسائل الإعلام، غالبًا ما يواجه هذا التعريف المثالي حقائق معقدة، وأحيانًا مُرّة.

وفي العديد من وسائل الإعلام، وخاصة تلك التابعة لمؤسسات السلطة أو رأس المال، يُجبر الصحفيون على الاختيار بين الولاء للحقيقة والأمن الوظيفي فتحل الرقابة الذاتية محل الضمير المهني، وتمر الأخبار عبر مصفاة المصالح والخطوط الحمراء والمصالح العليا قبل أن تصل إلى الجمهور وفي بيئة كهذه، تتحول الصحافة من عمل اجتماعي إلى "وظيفة إدارية".

ومن ناحية أخرى، في عصر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يُمكن لأي مستخدم أن يكون مُنتج محتوى، يتلاشى الخط الفاصل بين الصحافة المهنية وإثارة الشائعات بشكل متزايد. هذه الظاهرة، مع ازدياد وصول الجمهور إلى المعلومات، غذّت أحيانًا ابتذال التقارير الإخبارية، وتزييف الحقائق، وانهيار ثقة الجمهور بوسائل الإعلام. الآن، لا يجب على الصحفيين مواجهة الرقابة الحكومية فحسب، بل أيضًا هجمة الأخبار الكاذبة، والشعبوية الإعلامية، وإثارة المستخدمين. وفي مثل هذه الظروف، إذا استمر الصحفي في الإصرار على أخلاقيات المهنة، والدفاع عن المبادئ الصحفية، وعدم اكتراثه لأحد سوى الحقيقة، فهو لا يستحق الثناء؛ بل يستحق الدعم والضمانات والحماية القانونية. في عصر هيمنة الإعلام التجاري والفضاء الإلكتروني المجهول، يجب أن يتمتع الصحفيون المحترفون بالأمان الوظيفي، والحصانة المهنية، والتدريب المستمر، والحفاظ على استقلالية الإعلام أكثر من أي وقت مضى وهذا شرط لاستمرار صحافة حرة وفعالة. إن المجتمع الذي لا يحترم صحفييه سيُبتلى قريبًا باختناق المعلومات وسيطرة الأكاذيب. إن تقدير الصحفيين لا يجد معناه في الاحتفالات ولوحات التكريم، بل في خلق مساحة إعلامية حرة، وإزالة القيود القانونية وتعزيز شفافية مؤسسات السلطة.

بدون الصحفيين، يضيع التاريخ؛ الصحفيون هم من يصنعون صورةً من اللحظات الكبيرة والصغيرة التي تُشكل ذاكرة الأمة. من الحروب إلى الانتخابات ومن الكوارث الطبيعية إلى الإنجازات العلمية.. الصحفیون يُكتبون التاريخ المعاصر لكل مجتمع.

يوم الصحفي يُذكرنا بأن القلم والكاميرا ليسا الأدوات الوحيدة لعمل الصحفي، بل الضمير الحي، وشجاعة التعبير، والالتزام بالحقيقة هي أهم أصوله. في عالمٍ تطغى فيه سرعة نشر الأخبار أحيانًا على الدقة والأخلاق، يتحمل الصحفيون مسؤولية التصدي لتشويه الواقع، حراسًا للوعي، وأن يكونوا صوتًا لمن لا صوت له.

يوم الصحفي فرصةٌ لمراجعة قيم المجتمع وهويته الإعلامية؛ رسالةٌ أخلاقيةٌ تخدم الوعي العام بمسؤولية. تلعب الصحافة المهنية دورًا هامًا في توجيه وتطوير المجتمع والسياسة والثقافة، مع الالتزام بالحقيقة والصدق والنزاهة والأخلاق المهنية. يوم الصحفي هو يومٌ لإحياء الوعي الإعلامي وإعادة النظر في دور الصحفيين في المجتمع. والسؤال المحوري هو: هل نريد، كأفرادٍ وإعلاميين ومسؤولين وجمهور، صحافةً مسؤولةً ومستقلةً وباحثةً عن الحقيقة؟ أم نفضل الاستسلام للأكاذيب؟ إن الاحتفال بهذا اليوم ليس مجرد تكريمٍ لمهنة، بل هو إعلاءٌ لمكانة الصحفيين، ورسالةٌ تجلب الحقيقة والوعي والأمن والشفافية والأمل للمجتمع. فلنُقدّر هذه الفئة الذكية والمستنيرة والملتزمة والمضطهدة، ونقف معها في بناء مجتمعٍ واعيٍ وعادل.